اتت أمُّ الحنين تضحك بصوتها الطروب وتُضاحِك الحضور بلا إستثناء إيلاق أسنانها يشقُّ عتمة الليالي ونبراتها المموسقة تُخرِج الكلمات الجديدة بعنجٍ ودل فلقد جعلها الشَّك تتروى في نطق بعض الحروف المُعطّشة المضمخة بريان شبابها وأرائجها . وقد حرصت على تلبية جميع الدعوات والإستمتاع بها فقد زادت موسم الدّرت إيلاقاُ وتشويقا إستمتع به أهالي قرية ـ آيك أم راكوبة الذين كانوا يصارحونها بأن حضورها للنفير يضمن نجاحه ويرضيهم تماما. إلا أنها كانت في دواخلها تساؤلات حيري عن صمت ابن عمها محمد وما حرصها على الحضور الدائم إلا لثقتها بحضوره الراتب لكل النفائر فقد كانت رؤيته تفرح قلبها رغم جلوسه دائما بعيداً عنها وعدم مبالاته بقولها وفعلها حتى أنه لا يرفع راسه تجاهها فهي لا تستطيع أن تناقشه او تناظره أو حتى تطرح عليه سؤالاً فهي ملتزمة بآداب الريف فقد تركت له ما يليه من حق المبادرة وبصفة خاصة عندما وصلت إليها شائعة كباشي لم تعير الأمر إهتماما لكنها بدأت ترسل إشارات ذكيه لأبن عمها لتحركه فمخرجاتها منه رضي في وجهه لكنه لا ينطق ببنت شفة . ما برحت القرية وادعةً نائمة على سرور ومرح وسعادة أهلها إذ أن الدّرت قد بلغ أوجه فقطاطي القرية مكسوة بالقرع الدُبة الذي نمي فوق القطاطي والرواكيب وقد أجزل عطائه حيث أن حبة اليقطين تزن أكثر من 5 كيلو ويشاركه القرع المُر الذي تصنع منه كؤوس الشراب ويخزن فيه الذرة ويوضع فيه الدقيق والسمسم وتصنع منه مغارف الطعام ويزين به داخل الأكواخ وكذلك يستخدم في خَضْ الألبان لصناعة السمن ويحمل فيه الرّوب إلى الأسواق . كذلك نجد حول الحيشان الكركدي بأنواعه الأحمر والأبيض فالقرية وسط الجباريك المزروعة بالماريق الأحمر وقدم الحمام ووالدخن بأنواعه وقد إنتظمت دروب تربط كل فريق بالآخر وكل دار بالأخرى وداخل الجباريك تستمعُ لمطاردات الدّجاج للحشرات وهرجلة الطيور المقيمة والموسمية وكذلك مطاردات القطط للفئران ومن كل كوخ يخرج خيط دخان حيث تظل القدور على النار التي لن تطفى على مدار فصل الشتاء الذي خيم على المنطقة و تسمع نمنه الإستيناس والضحكات البريئة في كل البيوت وبين الحين والآخر تسمع صوت العصارة وثغاء العنز ولبلبة التيوس وبصورة مرتبة تسمع أصوات بتبتة أجنحة ديوك القرية ومعوعاتها الكثيرة الممتدة في عمق الوادي والاثير تعلن عن الأوقات بدأ من الفجر وحتى القيلولة في الظهر وزمن العصر حيث يخرج المزارعون للسربة و في الليالي المُقمرة يستمرُ نداء الديوك طيلة الليل. هنا حتى صوت الحُمر له وقعه الخاص على النفس البشرية وفيه تفسيرات يدركها أهالي القرية بعد ما تعايشوا عليها حيث يشير صوت الحمار على نشاط صاحبه فعندما يآتي من الرئ يسمعً صوت حماره فيقول الناس أن فلان قد سدّر بالتالى من كانت له حاجة للماء يرسل طفله ليستعير له ماء وكذا الحال عندما يُشرفُ القادمون من الأسواق على الوصول فيعرف من خلال الحمار السوق الذي إرتاده فإذاء جاء صوت الحمار من جنوب القرية يعني ذلك أن صاحبه إرتاد السوق الجنوبي وهذا سوق تخصص في تجارة اللوبا والبامية والماعز أما إذا قدم من الغرب فهذا يعني أن صاحب الحمار قادم من السوق الغربي والذي تخصص في مواد الحبوب الزيتية والكركدي والخراف بالتالي يذهب أهل القرية إلى الضراء المعين للسؤال عن أسعار المحاصيل والحيوانات فالحمار وسيلة إعلامية مهمة فضلا عن دوره كوسيلة ترحيل ونقل ومظهر إجتماعي ويلقى إهتماما كبيرا. خبر ودعاية زيارة كباشي سيطرت تماما على منتديات القرية وقد أعدّ العُمدة أحمد قطية كبيرة أمامها راكوبة بنيت من قش المرحبيب العطر الطيب وسيجت ببروش الحجلة وفرشت بسباتات من الوبر شِمَل جُلبت من أسواق أم بادر وزُينت بفوط مصنوعة من الحرير ومِقشة القش الملونة بالتفتة وتمّ تجليد العناقريب بلحاية التبلدي الباردة وملئت أزيار جديدة بالمياه وقد أعدت مرابط للحيوانات وجهزت العلفة لها . وصل العمدة كباشي في رفقة صغيرة وتمّ إستقباله خارج القرية بالرقصات الشعبية والغناء الحماسي فقُدم عرضّةً تباهي تبين حاله كفارس كما قام بالنقيط على رؤوس الحكمات بسخاء وأصطحبه العمدة لمكان الضيافة وأشرف بنفسه على الترتيبات حيث كان علياً مسئولاً عن الذبائح والمضايف قدّم الطعام لكل أهل القرية حيث جلس وجهاء القرية مع الفارس كباشي وتناولوا أحاديث الذكريات وأيام الحرب وحال عمودية كباشي بعد الاستقرار وقبيل الظهيرة إنصرف الجميع وتركوا العمدة أحمد مع كباشي من أجل القيلولة .